تحديات الهجرة في بريطانيا- بين القيود الحكومية ومساهمات المهاجرين.

المؤلف: مي العيسى09.07.2025
تحديات الهجرة في بريطانيا- بين القيود الحكومية ومساهمات المهاجرين.

بينما يتطلع المهاجرون إلى مستقبل أكثر إشراقًا في بريطانيا، تشدد الحكومة قبضتها عليهم، وذلك من خلال تقليص الدعم المالي المتاح والمساكن الفندقية المخصصة لهم، بل وحتى تقييد أعدادهم عبر إعادتهم إلى أوطانهم أو إلى دول آمنة إذا كانوا يواجهون خطرًا أو قد يواجهونه في بلدانهم الأصلية، وذلك امتثالًا لقوانين الأمم المتحدة.

ويزيد من تعقيد الأمر هو الخطر المحتمل الذي يواجهه هؤلاء الأفراد، والذي قد يؤدي إلى محاكمات جائرة تنتهي بالإعدام.

تتجدد قضية الهجرة في أوروبا، وتحديدًا في بريطانيا، التي استضافت في نهاية شهر مارس/ آذار 2025 في لندن "مؤتمر تأمين الحدود للمملكة المتحدة"، والذي ترأسه للمرة الأولى في عهده كير ستارمر، رئيس الوزراء الحالي والمحامي المرموق السابق في المحاكم العليا، المعروف باهتمامه بحقوق الإنسان.

شهد المؤتمر مشاركة أربعين مندوبًا من مختلف دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وفيتنام، والعراق، وفرنسا، إلى جانب ممثلين من منصات: مَيتا، وإكس، وتك توك، حيث تعاون الجميع على مدار يومين لوضع استراتيجيات جديدة تشمل تدابير رقابية برية وبحرية وإلكترونية، خاصة وأن التجار والسماسرة، الذين يصفهم ستارمر وحكومته بأنهم منظمو جرائم الهجرة، يستخدمون الهواتف الذكية عبر القارات وشبكات التواصل الاجتماعي.

منذ حملته الانتخابية، ركز ستارمر على تعزيز الدعم المالي لوزارة الدفاع، وخاصة الدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا. ونتيجة لذلك، تخصص خطة الموازنة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا الغرض، بينما يسعى إلى خفض المساعدات المقدمة للاجئين وطالبي اللجوء إلى 28% من الميزانية المخصصة للإغاثة الإنسانية الخارجية، على الرغم من أن حكومة المحافظين السابقة قد قلصت هذا الرقم بالفعل من 7% إلى 5%. وإذا لم يتمكن من تحقيق ذلك، فسيكون الخفض أكبر في برامج الإغاثة الإنسانية، كما أعلن في فبراير/ شباط 2025 وفقًا للموقع الرسمي للحكومة (Institute for Government).

يأتي هذا المؤتمر بعد جولة تفقدية قام بها رئيس الوزراء بنفسه العام الماضي في مواقع ومناطق أوروبية يستخدم فيها اللاجئون قوارب مطاطية لنقل الأطفال المعرضين للخطر، بينما يكسب المتاجرون بالبشر أموالًا طائلة من هذه المآسي.

ويضيف ستارمر: "لقد حققنا نجاحًا (قبل تولي السلطة) عندما كنت أشغل منصب مدير النيابة العامة في إحباط العديد من المؤامرات المماثلة، مما أنقذ أرواحًا. حتى أننا منعنا تفجير طائرات فوق المحيط الأطلسي وحاكمنا المسؤولين". ويشدد على أن "على الجميع التعاون عبر مصادرنا الاستخباراتية والخطط التكتيكية... وبذلك نركّز على الصحة والتعليم، أما الفنادق فتعود إلى الاقتصاد المحلي، ونرفع العبء عن السكن".

وبعد دراسة متأنية أجراها مرصد الهجرة التابع لجامعة أكسفورد، تبين أنه وفقًا للإحصائيات السكانية، فإن 16% من سكان بريطانيا ولدوا خارج المملكة المتحدة، وهذا العدد في تزايد مستمر، خاصة بين عامي 2021 و2024.

وأشار المرصد، الذي يقدم بيانات ومعلومات محايدة ومستقلة في دراساته حول الهجرة والمهاجرين في إنجلترا، إلى أن المهاجرين ينحدرون من الهند، وبولندا، وباكستان، ورومانيا، وهولندا، بينما لم تذكر الإحصائيات دول الشرق الأوسط في هذه الدراسة. وأوضحت الدراسة أن أسباب الهجرة الرئيسية كانت للالتحاق بالعائلات في المقام الأول، ثم البحث عن فرص عمل أفضل من تلك المتاحة في بلدانهم الأصلية في المقام الثاني، مع الإشارة إلى أن غالبية المهاجرين يحملون شهادات جامعية ويقعون في الفئة العمرية المسموح بها للعمل. ويتركز معظمهم في العاصمة لندن وجنوب شرق المملكة، حيث يمثلون 40% من سكانها.

في 27 فبراير/شباط 2025، أصدرت وزارة الداخلية البريطانية آخر الإحصائيات التي أظهرت انخفاضًا في عدد تأشيرات الدخول بحوالي 460 ألفًا، ويعزى ذلك إلى تقليل منح التأشيرات لأسباب تتعلق بالصحة والرعاية الصحية والدراسة. ويذكر الدكتور بَن برندل، الباحث المتخصص في المركز ذاته في قضايا الهجرة وتأثيرها الاقتصادي، أن عدد المهاجرين المهرة في القطاع الخاص قد انخفض في بعض المهن أكثر من غيرها. ومن ناحية أخرى، قام بعض أصحاب العمل برفع رواتب وأجور العمال، بينما انسحب البعض الآخر من تسهيلات نظام سمة الدخول للعمال، مثل الطباخين على سبيل المثال. وقد انخفضت سمة دخول أفراد العائلة الواحدة لبريطانيا إلى 8% في النصف الثاني من عام 2024 مقارنة بالعام السابق، وذلك بسبب زيادة متطلبات الدخل من 18.600 إلى 29.000 جنيه إسترليني في السنة.

على الرغم من أن حكومة العمال سعت منذ توليها السلطة إلى الحد من الهجرة بل وتقليلها، إلا أن أعداد المهاجرين قد ازدادت بمقدار خمسة آلاف طلب بين طلبات جديدة واستئناف لطلبات الرفض، مع زيادة عدد المهاجرين المقيمين في الفنادق المخصصة لهم.

ويؤكد ميهنيا كيبيس، الباحث في المركز ذاته والمختص بالسياسة والاقتصاد والمهاجرين، أن حكومة العمال لم تنجح في مساعيها لخفض نسبة المهاجرين الذين يستخدمون الفنادق للسكن، بل إن طلبات اللجوء قد ازدادت بنسبة 4% في الربع الأخير من العام الماضي.

أما قوارب الهجرة البحرية الصغيرة، فقد ازدادت بأكثر من 7.500 قارب في عام 2024، وأغلب المهاجرين القادمين عبرها هم من سوريا، وفيتنام، والسودان، واليمن، بينما يتصدر الأفغان القائمة، يليهم السوريون ثم الإيرانيون.

لذا فمهمة حكومة العمال تتمثل في التركيز على إعادة هؤلاء المهاجرين إلى ديارهم وترحيلهم، حيث عاد 33.400 لاجئ طوعًا ودون تدخل يذكر من الحكومة في عام 2024، إما إلى أوطانهم الأصلية أو إلى دول أخرى. وللحد من الهجرة كذلك، فقد تم رفض عدد كبير من طلبات تمديد الإقامة.

وفي ظل التحديات المالية المتزايدة التي يواجهها المهاجرون، أعلن ستارمر عن تقليل المعونات المالية المقدمة لهم، مؤكدًا "من لا يعجبه الأمر فليغادر البلاد".

وفي سياق متصل، عندما سألت صحفية البي بي سي، فكتوريا دربيشر، في برنامج نيوز نايت الإخباري في 19 مارس/ آذار 2025، وزير التقاعد، تورستن بَل، عما إذا كان يستطيع أن يعيش على 70 جنيهًا إسترلينيًا في الأسبوع، أجاب بالنفي. ومن المعروف أن هذا الوزير كان قد ألّف كتابًا عن بريطانيا العظمى، وكيف يمكن استعادة أمجادها.

وسط هذه التحديات المتنوعة وعلى كافة الأصعدة، يكافح المهاجرون من الشرق الأوسط عمومًا، والسوريون على وجه الخصوص، من أجل البقاء، خاصة بعد التغيير المفاجئ في نظام الحكم في سوريا.

فقد أوقفت بريطانيا قرار منح اللجوء للسوريين بعد أن منحته لأكثر من 300.000 سوري بين عامي 2011 و2021، وذلك امتثالًا لقرار مكتب الهجرة التابع للأمم المتحدة الذي سُنّ في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2024. ونتيجة لذلك، يبقى مصير 6.500 سوري معلقًا، وفقًا لمنظمة حق البقاء البريطانية.

يثير هذا الأمر قلق معظم السوريين، إذ لا يزال يشوبه الغموض بالنسبة لهم، خاصة مع تضارب الأنباء في البلاد وما حولها. وتطالب المنظمة الأخيرة، وفقًا لقرار التوقف، بمنح السوريين حق الهجرة من خلال توفير فرص عمل لهم إلى أن تتضح الصورة السياسية في سوريا والشرق الأوسط بشكل أكبر، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل شخص ظروفًا وقضية منفصلة عن الآخر.

ويأمل الكثيرون أن تتخذ الحكومة هذه الخطوة، على غرار ما تفعله مع الأوكرانيين، وعلى سبيل المثال، ريما التي عملت كممرضة في المنازل، ثم وفرت الدولة لها ولأمثالها دراسة إدارة الأعمال والمحاسبة، مع توفير فرص عمل مناسبة لهم بعد التخرج، وحتى التدريب بمكافأة معقولة خلال فترة الدراسة.

بإمكان الحكومة البريطانية، كما هو الحال مع حكومات الدول الأوروبية وغيرها ممن حضر ممثلوها المؤتمر المذكور أعلاه، استقطاب أصحاب الشهادات والاختصاصات لتعزيز الدخل القومي.

ومن الجدير بالذكر، على سبيل المثال، أن الأطباء الذين أتوا بشهاداتهم من الشرق الأوسط وآسيا يمثلون 40.6% من غير الممرضين والعاملين في القطاع الصحي الذين يعملون في القطاعين العام والخاص على حد سواء.

ومن بين هؤلاء من تقلدوا مناصب عليا، مثل وزير الصحة العراقي-الأرميني السابق آرا درزي وغيره ممن كرمتهم الملكة الراحلة والملك الحالي على مستوى الدولة، بالإضافة إلى المهندس الإلكتروني البروفيسور بشير الهاشمي الذي كرمه الملك تشارلز هذا العام، بالإضافة إلى التجار ورجال الأعمال وغيرهم.

أما بالنسبة للآخرين الذين لم تتح لهم فرص التعليم، إلا أنهم يتمتعون بمهارات عملية، فيمكنهم العمل في قطاعات البناء، والقيادة وغيرها من المهن البسيطة التي لا يقبل عليها البريطانيون أو السكان المحليون.

نعم، يمكن للدولة أن تميز بين تجار الحروب الذين يعرضون حياة الناس، وخاصة الأطفال، للخطر، وبين أولئك الذين يساهمون في بناء البلد الذي اختاروه للإقامة فيه بعد تدمير وطنهم.

وبذلك يمكنها تخفيض تكاليف رواتب ذلك العدد الهائل من الأفراد الذين سيخضعون للتدريب لاحقًا برًا وبحرًا وإلكترونيًا للقبض على هؤلاء وهؤلاء بشكل عشوائي.

فهل سيأخذ ستارمر بهذه النصيحة؟ أم أنه في ورطة بسبب تكاليف ترامب الباهظة التي أثقلت كاهله، أم أن للسياسة منطقًا آخر؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة